في داخل كل منا كتاب عظيم.. سطرت حروفه وكلماته بالحبر النووي، إنه كتاب الحياة الذي يروي قصة تطورها عبر ملايين السنين من عمر البشرية. “المَجين”، أو ما يعرفه الجميع باسم “الجينوم” هو كامل المادة الوراثية المكونة من الحمض النووي الذي يحمل جميع المعلومات الوراثية للإنسان. يعرّفنا مات ريدلي عبر فصول كتابه بالجينوم البشري وكيفية تشكله عبر السنين، ويكشف الدور الذي تلعبه المورثات في تطورنا وكيف سيغير مشروع الجينوم البشري شكل عالمنا.
كتاب “جينوم: السيرة الذاتية للجنس البشري في 23 فصلاً” (Genome: The Autobiography of a Species in 23 Chapters) يُعدّ من القراءات الأساسية لكل مهتم بمستقبل جسم الإنسان، فمن خلاله سنعرف آفاق علاج السرطان وكيف وصلت البشرية إلى ما هي عليه اليوم، و إلى أين سيقودنا تطور علم الوراثة.
عَمّ يتحدث الكتاب؟
يكشف كتاب “الجينوم” خبايا عملية رسم خريطة الجينوم البشري ويحكي قصة اكتشاف كل مُورِّثة. ويؤكد المؤلف امتلاك البشر لمورثات من كل الكائنات الحية التي أدت إلى تطورهم عبر الأجيال، ويوضح السبب الذي يجعل بعض المورثات (الجينات) مسببة للأمراض لكنها أيضاً تفتح باب العلاج في المستقبل، ويتطرق إلى الدور الذي سيلعبه رسم الجينوم البشري في علاج السرطان، وإمكان توجيه مرض هنتنغتون وراثياً والآمال المعقودة على العلاج بالهندسة الوراثية.
نُبذة عن الكاتب
مات ريدلي هو كاتب علمي حاز جوائزَ عديدة، ونُشر له العديد من الكتب مثل الملكة الحمراء والمتفائل الرشيد والمورثة الرشيقة، وبيع أكثر من مليون نسخة من كتبه التي ترجمت إلى سبع وعشرين لغة.
أهم ثلاث نقاط ينبغي معرفتها عن الجينوم
أولاً: عندما يتعلق الأمر بالتكيف فإن البكتيريا تتفوق علينا
تفخر البشرية بأنها تتربع على قمة هرم الكائنات الحية. وبالرغم من امتلاك البشر لخصائص فريدة “من وجهة نظر وراثية”، يرى الكاتب أننا لسنا مميزين بالقدر الكافي، فالبشر يتشاركون معظم مورثاتهم مع المخلوقات الأخرى، ويختلفون عن أقرب الكائنات الحية لهم وهو الشمبانزي بنحو 2% فقط من المورثات. ويمتلك الإنسان 23 زوجاً من الصبغيات (الكروموسومات) وهو أقل مما لدى الشمبانزي بزوج واحد.
وتتطور مورثات الكائنات الحية عبر السنين وبذلك يكون كل جيل أفضل من سابقه عبر التغيرات والطفرات الوراثية. وبسبب فترة الحياة الطويلة نسبياً للإنسان فإنه يحتاج إلى وقت أطول للتكيف وراثياً مع البيئة حوله. أما البكتيريا فهي تتطور بالطريقة ذاتها، ولكن نظراً لدورة حياتها القصيرة فإن عدد الأجيال التي تشكلها في 25 عاماً أكبر من تلك التي يشكلها البشر على مدى خمسة ملايين سنة، ولذلك فإن البكتيريا أكثر قدرة على التكيف مع البيئة المحيطة من الإنسان.
ثانياً: مورثاتنا تخبرنا أكثر مما نتخيل عن شخصيتنا
أتظن أن شخصيتك هي نتاج معقد لسلسلة الأحداث التي مرت بحياتك من الأماكن التي زرتها والأشخاص الذين تحبهم وقيمك ومعتقداتك ومعرفتك وأحلامك؟ هذا ما يعتقده الجميع لكن الواقع غير ذلك، فمورثاتك بمساعدة بسيطة من كيمياء دماغك هي التي تجعلك تميل إلى الاتصاف بالخصال التي تميز شخصيتك. وكمثال على ذلك، يوجد في الذراع القصيرة للصبغي رقم 11 رمز وراثي لمستقبلات الدوبامين في دماغنا، ويتحكم تكرار هذه المورثة بمدى فعالية المستقبلات، فإن حدث نقص للدوبامين في الدماغ فستشعر بالتردد، وقد يسبب النقص الحاد مرض باركنسون، أما الذين لديهم كميات وافرة من الدوبامين فهم أكثر عرضة للإصابة بانفصام الشخصية (الشيزوفرينيا). ويقول العلماء إنه قد توجد 500 مورثة على الأقل مسؤولة عن صفات شخصية فطرية محددة.
ثالثاً: شئنا أم أبينا فنحن مبرمجون لنبدأ بالتدهور في الخامسة والخمسين من عمرنا
مع تقدم الإنسان في السن تظهر عليه علامات الشيخوخة من تقوس الظهر إلى آلام المفاصل وتجعد الجلد. وبحسب مورثاتنا نبقى أقوياء ومعافين حتى انتهاء سن الإنجاب. وعندما يصل أبناؤنا إلى سن الرشد تبدأ أجسامنا بالتدهور فما السبب في ذلك؟
تتطور المورثات عبر الأجيال، لذا فإن عملية الانتقاء الطبيعي تحتاج للتأكد من وجود جيل للمستقبل لضمان الحفاظ على النوع. لذلك لا تتسلل الشيخوخة إلى أجسامنا قبل الخامسة والخمسين ومن بعدها تتداعى أجسامنا تداعياً حاداً. ويحدث ذلك تحديداً عندما يصل الأبناء إلى سن الإنجاب ويبدأ جيل الأحفاد، عندئذٍ يصبح جيل الأجداد مجرد زائدة وراثية.
حقيقة ذكية من كتاب “الجينوم”
حمضنا النووي مشبع بالنفايات الضارة والمفيدة
قد نعتقد أن معظم حمضنا النووي بفعل التطور يتضمن معلومات مفيدة لإنشاء الجسم والعقل، لكن سيرة حياة الحمض النووي تحتوي العديد من الفقرات العديمة الجدوى. وعندما بدأ العلماء التنقيب في هذا المجال وجدوا حفنة مما وصفوه بأنه نفاية الحمض النووي، فهناك تكرار لمورثات عديمة الفائدة إضافة إلى نواتج إخفاق قديمة لما تطور لاحقاً وأصبح مورثة مفيدة. وربما تكون نفاية الحمض النووي هذه فيروسات دمرها جهازنا المناعي يوماً ما فأصبحت لاحقاً جزءاً لا يتجزأ من مورثاتنا.
ولسوء الحظ فإن المورثات الضارة تختفي بين المورثات الأخرى، ويمكن لهذه القطع أن تسبب الضرر لأجزاء الجينوم الأخرى، ومع ذلك فليس كل نفاية للحمض النووي ضارة أو عديمة الفائدة، فأحد أول استخدامات الحمض النووي البشري هو بصمة الحمض النووي التي تستخدم خصوصية تكرار نفاية الحمض النووي المميزة لكل شخص.
حقيقة مدهشة من كتاب الجينوم
إن كنت تظن أن علم تحسين النسل انتهى فأنت مخطئ
لا توجد مؤسسة طبية محترمة تعترف بذلك، لكن علم تحسين النسل لايزال موجوداً إلى يومنا هذا. عندما نجري اختباراً على الأجنة للكشف عن متلازمة داون ونحث الأمهات على التخلص من الجنين، فإن هذا يختلف قليلاً عن تحسين النسل. من المفارقة أننا نعتقد أن هذا الإجراء يحمي الطفل من أن يولد ويعيش حياته معاقاً عقلياً، ويحمي الآباء من المعاناة في تنشئة طفل احتياجاته أكبر بكثير من احتياجات الأطفال الأسوياء، ولا نعد هذه التدابير نوعاً من تحسين النسل لأن سلطة الاختيار تكون في يد الشخص لا الدولة.
إن كنت ستتذكر أمراً واحداً فقط فليكن ما يلي
قد يكون رسم خريطة الجينوم البشري أهم إنجاز في تاريخ العلم حتى الآن، لأنه سيساعد على تطوير علاج كثير من الأمراض المستعصية، وسيفك رموز ماضي البشرية ويعطي تصوراً لمستقبلها. إنه تاريخ حياة الإنسان مسطوراً في خلية واحدة.
المصدر: Blinkist
أفضل كتاب عن الجنس البشري: كل ما تحتاج إلى معرفته عن الجينوم
Comments are closed.